هرقل زعيم الدولة الرومانية، وهي دولة تسيطر تقريبا على نصف مساحة العالم في ذلك الوقت، والحقيقة أن موقف هرقل من الرسالة يحتاج إلى وقفة ويحتاج إلى تحليل، فهو يفسر لنا الكثير من أحداث التاريخ سواء في أيام رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو في الأيام التي تلت الرسول صلى الله عليه وسلم، ويفسر لنا أحداثا كثيرة جدا من الواقع الذي نعيشه؛ لأننا نعرف أن التاريخ يتكرر.
عندما تسلم هرقل رسالة الرسول صلى الله عليه وسلم أخذ الموضوع بمنتهى الجدية، مع أنه زعيم أكبر دولة في العالم، وهو يتسلم رسالة من زعيم دولة لم يسمع عنها أحد، وهذه الدولة خرجت في بلاد العرب، والرومان بصفة عامة كانوا ينظرون إلى بلاد العرب نظرة دونية، ويرونهم دائما أقل من أن يهتم أحدًا بشأنهم، أو يدرس أحوالهم، فهؤلاء العرب قوم يعيشون حياة البداوة في أعماق الصحراء بعيدة كل البعد عن كل مظاهر الحضارة والمدنية، وهم متفرقون ومتشتتون، وأحلامهم بسيطة وأعدادهم محدودة وأسلحتهم بدائية، الفارق بينهم وبين إمبراطورية الرومان الهائلة، كالفارق بين السماء والأرض أو يزيد، وحينما كان يدور الصراع بين دولة فارس ودولة الروم فإن كل ما كان العرب يفعلونه هو الاكتفاء فقط بمراقبة الأحداث، ويراهنون بعضهم البعض على من سوف يكسب من الدولتين العظيمتين فارس والروم، ولم يكن عندهم طموح لا من قريب ولا من بعيد في مشاركة القوة العالمية في الأحداث الجارية في العالم.
ومع كل ذلك عندما أرسل الرسول صلى الله عليه وسلم رسالته إلى زعيم الروم، أخذ هرقل ملك الروم الأمر بمنتهى الجدية، ولم ينكر أن يكون ذلك ذلك الرجل نبيا حقا، ولم يكن ينقصه إلا التأكد فقط، ونحن عندما نسمع عن هرقل أو نقرأ عنه نشعر أنه كان زعيما نصرانيا متدينا ملتزما إلى حد كبير بتعاليم النصرانية، وكان يعلن كثيرا أن الله عز وجل يساعده في معاركه، حتى أنه نذر أن يحج إلى بيت المقدس ماشيا على قدميه من حمص إلى القدس شكرا لله على نصره للرومان على الفرس، ورجل مثل هرقل لا بد أنه قد قرأ في التوراة والإنجيل أن هناك رسولا سيأتي، وأن هذا الرسول بشر به موسى وعيسى عليهما السلام، وكان هرقل ينتظر هذا الرسول، وهذا الرجل الذي أرسل له الرسالة صلى الله عليه وسلم يذكر له في هذه الرسالة بأنه نبي آخر الزمان، وهرقل آمن بالفكرة، ولعله مشتاق لرؤية ذلك النبي، وكان هرقل قبل هذه الأحداث قد سمع عن هذا النبي صلى الله عليه وسلم، بل إن الله عز وجل يسر له لقاءً غريبا عجيبا ربما يكون قبل استلام الرسالة مما قد يكون مهد هرقل نفسيا تماما لاستلام مثل هذه الرسالة العجيبة.